ظهر الأديب الشاعر المرحوم: عبد الحميد السنوسي في مستهل القرن العشرين بين جماعة الشعراء المجددين الذين تهيأت ظروف ظهورهم عند انتقال مصر من مرحلة تطورية إلى مرحلة أكثر تطورا.
وقد ولد عبد الحميد السنوسي بمدينة الإسكندرية في عام 1898, وتوفي بها عام 1956, ورث الشاعر عن أبيه وعمه السيدين عمر السنوسي , وإبراهيم السنوسي – وكان هذا الأخير شاعرا له ديوان مطبوع في المغرب – كتبا كثيرة في الأدب العربي القديم, لم يهملها كعادة أولاد الأدباء والعلماء, ولكنه عكف عليها يقرأ فيها, ويحفظ منها ما يروقه, ويذهب إلى المدرسة الابتدائية المطلة على البحر المتوسط بالإسكندرية ويسمع زملاءه التلاميذ الصغار ممن كانوا في مثل سنه ما حفظ من مقامات الحريري وشعر أبي تمام والمتنبي. والعجيب أنه كان يستعين بالشروح والقواميس ليلم بمعاني ما يقرأ ويحفظ حتى استطاع أن يكون على علم صحيح بها وبأغراضها , وهو بعد فتى لم يتجاوز الخامسة عشرة.
وفي عام 1912 استطاع عبد الحميد السنوسي أن ينظم شعرا سليما , ولكن ذلك الشعر كان في الأغلب محاكاة لمن كان يقرأ لهم من شعراء العرب الأقدمين.
وتعرف على شعراء الإسكندرية الذين سبقوه في هذا المضمار ليعرض عليهم ما نظم, ويسمع رأيهم في نظمه. فتعرف إلى عبد اللطيف النشار, وعثمان حلمي, وحسن فهمي, وزكريا جزارين, وبيرم التونسي , وخليل شيبوب , وغيرهم. واكتسب بهذه الصلة خبرات جديدة في صياغة الشعر بتعرفه على تجاربهم الأدبية, ونقدهم وملاحظاتهم الدائمة والمستمرة لما يكتبه من أشعار وعن طريقهم استطاع الإطلاع على أشعار البحتري , والشريف الرضي , ومهيار الديلمي وغيرهم.
وفي عام 1913 تعرف إلى الشوباشي الذي كان يتميز بإطلاعه على الشعر الإنجليزي أكثر من إطلاعه على الشعر العربي القديم , وصلة الصداقة بينهما أتاحت لكل منهما فرصة الإفادة من مزايا شعر الآخر.
وفي ذلك الوقت كان الأستاذ: عبد الرحمن شكري يقوم بتدريس التاريخ بمدرسة "رأس التين الأميرية" , وكان من حسن حظ أدباء الإسكندرية في ذلك الوقت أن اعتادوا أن يتقابلوا عصر كل يوم في الجانب الغربي من الحديقة العامة الواقعة في ناحية "وابور المياه" مع الشاعر الذي يرجع إليه الفضل الأكبر في دفع نهضتنا الشعرية إلى الاتجاه الحديث في مطلع القرن الماضي, وكانوا يسمون مكان اجتماعهم "حديقة الشلال".
وفي عام 1915 ظهر الجزء الأول من ديوان عبد الحميد السنوسي بعنوان "لغة القلوب" وقدم له عبد الرحمن شكري. وفي عام 1918 ظهر الجزء الثاني من ديوانه باسم "نغم النفوس".
وفي عام 1919 وفد إلى الإسكندرية الشاعران الكبيران عباس محمود العقاد , وإبراهيم عبد القادر المازني, واتخذا منها موطنا لهما, وموطنا لمدرسة الديوان الشعرية الكبيرة والتي فتحت نافذة للشعر العربي يطل منها على الشعر الإنجليزي العالمي.
اضطلع هؤلاء الشعراء –ومنهم عبد الحميد السنوسي- بتطوير الشعر العربي من الكلاسيكية إلى الرومانسية , فنحن نلمس في دواوينهم الأولى قدرا كبيرا من الرصانة العربية القديمة , ثم أخذ بعد ذلك يسهل شيئا فشيئا , ويكتسب الشخصية الحديثة مع الأصالة, كذلك ردد أولئك الشعراء في قصائدهم الأولى بعض المعاني المتداولة ثم استطاعوا بعد اكتساب الخبرة الكافية أن يعبروا في دقة عن عواطفهم الخاصة, وبعدوا كثيرا عن أحداث السياسة ومشكلات المجتمع والحياة العامة, وقصروا اهتمامهم على الأحداث التي تقع لهم, أي كأنهم كانوا يبعدون بشعرهم عن الشعر الرائج آنذاك وهو شعر (مناسبات) كما كانوا يطلقون عليه في ذلك الوقت.
استمر عبد الحميد السنوسي على هذا المنوال فترة من الزمن, ولكن تكاليف العيش قضت عليه أن يبتعد رغم أنفه من هذا الميدان ويهب عقله ووقته للمحاماة التي أصبح علما من أعلامها, إذ انتخبه المحامون رئيسا لنقابتهم في الإسكندرية.
0 التعليقات:
إرسال تعليق