الخميس، 22 مايو 2014

انا الكلب

منذ ذلك اليوم تغيرت حياتى ..... وإلى الأبد.

بدأ يومى كغيره من الأيام ,فقد انتهى الزمان الذى كانت تأتى فيه الأيام بالجديد , أيام الشباب , إلا أنه فى هذا اليوم انتابنى شعور غامض خاطف , ومع ذلك فقد تركنى فى حال غير الحال التى كنت عليها.


يبدأ يومى مبكرا ً ,تحت تلك الشجرة عند سفح الجبل فأنا حريص جدا ً على ذلك الوقت الذى يسبق شروق الشمس , تلك اللحظات التى لا يعادل سكينتها وصفاءها وهدوءها معادل , بتلك النسمات التى تأخذك من هذا العالم لتلقى بك فى عالم ملؤه الهناء والاطمئنان , آه لو كان عندى ما آكله , لدامت تلك الهناءة شيئا ً قليلا ً , ولكن كيف السبيل إلى الهناء وصرخات المعدة الخاوية تكاد تصم أذنى , دائما ً ما أتساءل لماذا كتب على أن أكون كلبا ً مشردا ً من تلك الكلاب الضالة ؟ بماذا تزيد علىَ تلك الكلاب التى تنام فى البيوت ويأتيها أكلها وتلهو مع أصحابها . آه , لعل فى ذلك من حكمة , فالخالق حكيمٌ كما تعلمون .







ماهذا الغبار القادم من بعيد ؟ هذه المنطقة قليلاً ما يعبرها أحد فما بالك بهذا الوقت ؟عاودنى ذاك الشعور الغامض مرة أخري ولكنه أبى هذه المرة الذهاب, وأقسم ألا يفارق , حتى أنه أنسانى جوعى وكسلى فقمت منتصباً على أقدامى , متطلعاً إلى القادم .


وصل هولاء الشباب إلى حيث كنت أقف منتبهاً متحفزا ً , ألقوا على نظرة ً عابرة ً , لم تحمل الكثير , ولكن على العكس منهم قرأت الكثير والكثير من نظرتى إليهم , فنحن معشر الكلاب لدينا تلك الملكة بداخلنا , نعرف منها من نواجه , وكيف هو , لابد أنكم تدركون جيدا ً عما أتحدث , فقد واجهتم بعض الكلاب بالتأكيد . ومن نظرتى إلى هؤلاء النفر , قرأت الخوف فيهم , فى نظراتهم, فى التفاتاتهم المتكررة إلى الخلف ,وهذا مما أغرانى بالمضى خلفهم والمشى وراءهم . ياترى مم يخافون؟ لا أرى احد قادم خلفهم ؟ وعلى الرغم من نظرات القلق المرسومة على عيونهم , كانت وجوههم بشوشة صبوحة , كانوا شبابا فى ريعان الشباب , لابد من أن وراءهم سراً جدُ خطير ولا بد لى أن أعرفه . مضيت أمشى خلفهم ,مما زاد خوفهم , ولكنى كنت أنظرإليهم وأطأطأ الرأس علامة ألا يخافوا , فأنا مسالم ٌ وما جئت لشيئ . فلما اطمئنوا لى .... ... تركونى. 









ظل هؤلاء الشباب يصعدون الجبل ويصعدون وأنا معهم كالظل لا أفارق , إلى أن وصلنا إلى كهف قديم فى أعلى الجبل وهناك جلسوا لا يتكلمون , لا زالت نظراتهم ذاهلة ً , شاحبة ً , تنظر إلى بعيد , ومع مرور الوقت بدأ ذلك التوتر يزول رويداً رويداُ , إذ بى أجدهم ويا للغرابة يرفعون أيديهم إلى السماء متمتمين بكلمات لم أتبينها ومعها نزلت دموعهم ساخنةً على خدودهم , مما زاد إشفاقى عليهم , لو أعرف كيف أخفف عن هذه القلوب الخائفة لفعلت , كل ما أستطيع أن أفعله أن أتمسح بأرجلهم عسى أنقل إليهم بعض الأمان , و لكنهم ويا للغرابة بدأوا يبعدوننى بلطف إلى خارج الكهف , لماذا قبلوا أن أصحبهم والآن يريدوننى خارج كهفهم , مازال هناك الكثير لأفهمه عن هذه الفتيه , نعم لازال هناك الكثير . ولكن أصارحكم بأنى لم أتضايق من هذا , بالعكس , لقد أحسست بقربى لهم أكثر فأكثر ,و عزمت الأمر بأن أكون لهم حارساً على باب كهفهم أصد عنهم الأذى وأنبههم إذا ما أحسست الخطر نعم أصبحت الآن ذو منفعة بدلاً من أن أكون عبئاً , ألقى علىَ الفتية نظرة ملؤها الحنان والرضى وعلت وجوههم الجميلة إبتسامةُ لطيفةُ من وقفتى هذه, وبدأت عيونهم تنعس قليلًا قليلُا بعد أن أحسوا الأمان , واحد تلو الاخر راح الفتية فى ثبات عميق , وأنا أنظر لهم نظرات ملؤها الشفقة والرحمة . 

لو أنى أعرف حكايتكم ....
ومن بعدهم رحت أنا أيضا ً فى النوم !!!!



كنت أول من استيقظ .
ما هذا ؟ ماهذا الشعور الذى أشعر به ؟ بحياتى كلها لم أنم مثل هذا النوم , أحس بأنى قد نمت الدهر بأكمله , ماهذا الكسل , شيئ رهيب . مابال هذه الفتية ؟ إنَهم مازالوا نائمون أيضا ً . ولكن مالى أري أعينهم مفتوحة , هذا شيئ غريب , إنها لأول مرة أرى نائما مفتوح العينين , يا إلهى , إن هذا المنظر لكفيل بإثارة الرعب فى قلوب الشجعان. رفعت صوتى بالنباح كى أوقظهم وبعد فترة قاموا واحدا ً بعد واحد , أخذوا ينظرون بعضهم إلى بعض نظرات ملؤها الحيرة والتساؤل , إنهم بالتأكيد يشعرون بما شعرت به , أصدرت نباحا خفيضا لأؤكد ما يشعرون به . أخذ كل منهم يتمطى ويفرك فى عينيه ولازالت نظرات الذهول عليها , يالهى اشعر بجوع رهيب , أريد أكلا ً , أى أكل . رأيت أحد الفتية يقوم من جلسته وهو يمد الطرف إلى خارج الكهف وينظر إلى الشمس ومضى , لم انسى أن أودعه بنباح أذكره فيه بنفسى فابتسم ومضى
إلى ما يقصد .




عاد صاحبنا .

ولكنه لم يعد وحده .....

ولكنه لم يعد وحده , لقد كانوا جمعا ً من الناس , ومن بينهم واحد تظهر عليه إمارات الجاه . أخذت فى النباح الشديد رغم ضعفى , خرج الشباب ينظرون الأمر , أخذ الفتى الذى ذهب إلى البلدة فى التحدث مع أصحابه همسا ً وأنا واقف ٌ بينهم , أخذت عيون الفتيان تتسع , والدهشة ترسم خطوطا ً عريضة ً على وجوههم , لكنها سرعان ما تحولت إلى سعادة و حبور بعد الترحيب الغامر الذى أفاضه عليهم صاحب الجاه وصحبه , كان الكل سعيدا ً برؤية هؤلاء الفتية , هذا مما لا شك فيه . ولكن ما سر هذه الحفاوة والتقدير المصحوب بهذة السعادة الغامرة ؟ لم هذا كله ؟ إن هى إلا ليلة نامها هؤلاء الفتية وهم فى فزع وخوف إلا ويصبحون وهم محل إكرام القوم وتقديرهم ؟ إن َ هذا لشيئ يُذهب العقول , ولكن لم أعذب حالى , فأنا معهم , واحد ٌ منهم .ألست ُ كذلك ؟ 




نزلنا جميعا ً إلى القرية , محفوفون بصاحب الجاه وحاشيته , وفى كل خطوة نخطوها يزيد عدد الناس , أولئك الذين عرفوا حكايتنا وجاؤا سراعا ً ليلقوا نظرة على هذه المعجزة الحية التى ما رأوا مثلها أبدا ً, ولن يروا .
وأنا بينهم أنال ما ينال الفتية من الاحترام والإعجاب والتقدير .......
نعم ...فأنا لم اكن كلباً عادياً , لم أكن كأى كلب ِِ سبق أن رأيتموه , أنا كلب استثنائي .فأينما ذكر الكلب فأنا هو ......كلب أهل الكهف !!!



0 التعليقات:

إرسال تعليق